Tuesday, September 22, 2009

موسم رحيل سنوي


لم تكن الليالي هنا ممطرة ، فـ من النادر أن تمطر ،هنا الجفاف يهلك كل شيء ، الأمطار ، الأرض ، الأنفاس ، الناس ، العقول وحتى الماء ، يجف ... لا اتذكر أن كانت أحد ليالي هذه الشتاء ممطرة

على عكس الليالي هناك معك ، كانت معظمها ممطرة وبشدة ،

كثيراُ ما كنت أستقيظ هنا وحيدة ، و وأقوم بفتح نافذتي علي اشتنشق رائحة رطوبة او مطر ، فأتذكرك ،


اتذكر تلك الليلة كانت ممطرة ، منذ الصباح ، لحظة أن أستقيظت أنت ، وأخبرتني أن السماء مظلمة كلياً ، وأن الشمس غائبة اليوم أيضاً ، رغم البرودة ، قمت بجر النافذة ، قأنفتحت كلياً ، سمحت لكل الرياح المحملة بقطرات المطر أن تجتازني ، وتبلل الغرفة كلها ، كنت مستمتعة بذلك بشدة ،

ذلك الصباح لم نكمل يومنا الدراسي ، فكانت السيول تغرق المناطق كلها والطرقات ، وضجة الطرق كانت اكبر عائق ،

لا أعلم لم أذكر كل تلك التفاصيل التي تخصك وقتها ، شعرك المبعثر المبلل ، مجعد وقصير جداً وسكارف أبيض لا يحكم أي شيء منه ، حلقات سوداء وحمراء وزرقاء حول معصمك ، وبالزي المدرسي الكريه كنت تركضين عائدة للمنزل ، هاربة من يوم دراسي مظلم وممطر

حولك ، المباني كلها رمادية مظلمة ، والأنارة العمومية مضاءة رغم النهار ، كل الطرقات مبللة ، والاجساد أيضاً غارقة

تلك الليلة ، كانت الأمطار كثيفة لدرجة أني أذكر بلل السجاد الأزرق في الغرفة أثر المياه المتسربة من النافذة وأذكر جيداُ ، جلستك على الأرض وانت تقومين بقص صور صغيرة ورموز تعشقينها بشكل عشوائي ، وتلصقينها على الحائط

كانت موسيقى " كيتي ميلوا " تملأ الغرفة ، ومن أثر الأمطار والرياح الكثيفة كنا نعاني من تيار كهربائي متقطع ،

أذكر صورتك ليلتها جيداً ، وبالأضاءة المتقطعة ، بموسيقى الجاز ، جسدي مسلتقي على الفراش أحدق في المصباح الذي يعاني من فقر الكهرباء ، و أغلق جفني في كل مرة يفقد فيها إضاءته


في تلك الليلة ، التقطي لي أنت صورة بكنزة صوفية سوداء ، وحتى وقت قريب لم أكن قد رأيت الصورة ، كنت مستخدمة الكاميرا القديمة ، و كنت تلتقطين بها صوراً عدة وتنسين الأفلام الكاملة ملقاء في صندوقك الورقي الصغير

أحدى تلك الأفلام كانت تحوي صورتي ،

قبل عدة أيام ، رأيتك تقومين بقص صورة لي ، بكنزة صوفية سوداء ، تعود لتلك الليالي ، وتقومين بلقصها بنفس الكيفية على حائط غرفتك ، ولأول مرة أراها ، شعرت أني حينها كنت أملك شيئاً ما فقد الآن ، لا أعلم ما هو تحديداُ ، لكن ما في الأمر أن أبتسامتي حينها كانت خالية من أي شكوك ، شعري كان اطول بضع سنتيمترات ، وكانت بشرتي أكثر أشراقاُ ،

الصورة تحمل قدراُ غريباُ من أمطار الشتاء ، وايام كنت على وشك نساينها ...


تبدو لي الآن الوقت ، والأمل مختلف تماماً ، لا ليالي ممطرة مشتركة بعد الآن ، ومن الآن أراك تقومين بنزع الصور من على الحائط متعمدة ترك صورتنا القديمة سوياً ،


لا شيء الآن بات في ذاتي يبني أي ذكريات ، كل شيء يبدو لي أنه دفن ، كل شيء بات مركز بطعم التفاصيل القديمة ، الموسيقى ، الصور ، الشتاء ، الكتب القديمة

لدرجة أني لا أقوى على العودة لذلك المكان دون تلك المتلازمة من العناصر التي تبني الذكريات ذاتها ، رغم اني أعلم اني لا أملك أي منها إلى الآن على الأطلاق

أعلم أن الوقت سيغير كل شيء ، وسيغيرك أنت ،ويغيرني أنا ايضاً ، كل ما اخشاه هو ان تتبدد تلك النكهات في اللاشيء ، ونعود لنزع الصور ، لا لنقلها مكان آخر بل لأن لم يعد لها مكان مناسب بعد الآن

2 comments:

كاريزما said...

لا أدري متى او كيف.. يمكنني مشاركتك أحداث ايامك...!!

تبهرني تصرفات عقلك الباطن..

MKSARAT - SAYED SAAD said...

موسم رحيل سنوي وحنين للذكريات وبلونات الشوق تتطاير حولنا في كل
مكان انها جولات العقل

كونى بخير
سيد سعد