Friday, September 18, 2015

تآكل

كنت أرغب أن اكتب عن الروتين.
عن الرجل الذي يقف بالهيئة ذاتها ويحمل حقيبته الممتلئة بالمناديل وينادي بالطريقة ذاتها يومياً بشكل آلي. عن تلك التي تفعل الشيء ذاته ولكن بلمسة من تأنيب ضمير المارة. دون تسول.
عن ذلك الذي يحتل الحديقة وسط الميدان محدثاً نفسه جهراً، وعن ذلك القزم الذي يرتدي نظارة شمسية أينما ذهب حتى يتظاهر بعدم الاكتراث لنظرات المارة.
كنت أريد أن اكتب عن ذلك التذكير المستمر بالألم. بأن الجميع قد سلب منهم جزء ما، لا يعوض من الانسانية. كنت أريد أن أكتب عن تلك التي انفجرت باكية وسط هدوء الجميع في عربة المترو الممتلئة وعن الأخرى التي ظلت في العربة منذ الصباح لآخر النهار حتى بعد وصول آخر الخط، كنت أريد ان أكتب عن الروتين وعن ما يأكله الصباح اليومي منك يومياً. عن تعرضك اليومي لكل تلك الانتهاكات.
كنت أريد أن أكتب عن تلك الحالة التي عجزت عن الكتابة عنها الآن. كنت أريد أن أخبرك أني صرت أشبه بـ " السلك المكشوف" كما لو كان كل ما يمر بمحيطي يرسل لي اشارة ما.

صرت أضعف. وأقل قدرة على التعبير. أرى تلك السيدة التي تبيع طعام قذر في وعاء أكثر اتساخاً بكل سعادة بتوافد المارين عليها، كنت أريد أن أصف المشهد، وأخبرك كيف مشهد كـ هذا كان ليعصف بي، لكني ما عدت أكتب. ما عدت أصف ، ما أعدت أفعل شيئاً سوى الملاحظة. أشاهد المشد بألم وأمضي وسط الملايين.